إن تتبَّعنا العهد الجديد، سنرى السبب الدقيق وراء قيام ربِّنا يسوع المسيح بآياته. لم يقم بأداء الآيات المذهلة لمجرد أن يُظهِر لشعب إسرائيل أن هناك إلهًا حيًّا في السماء يمكنه أن يصنع المعجزات. كان الإسرائيليون يعرفون ذلك بالفعل، لأنهم كانوا يملكون كتبهم المقدسة لمئات السنين ويعرفون كل شيء عن شخصية الله وقوته. لم يكن هذا هو السبب. كما لم يقم يسوع بالآيات فقط لمساعدة الناس على الشعور بتحسُّن إذا كانوا مرضى، أو أن يصبحوا كاملين ومُعافِين إذا كانوا مصابين بالشلل. بل قد شرح ربُّنا لماذا صنع معجزاته. قَد صُنِعَت الآيات “لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ”.
لقد سحق الرب يسوع جميع التُّهَم بأنَّه نبي كاذب بواسطة شيئين: أولاً، تكلَّم وفقًا للكتاب المقدس، في تناغم تام مع ما أتى سابقًا من وحي وإعلان. وثانيًا، تنبَّأ عن الآيات التي شرع هو في تحقيقها بنفسه.
كيف يمكننا أن نعرف ما إذا كانت الآيات المزعومة هي بالفعل من الله أو من مصدر آخر؟ لدينا في الكتاب المقدس مبادئ توجيهية بالغة البساطة ومتاحة وحريٌّ بشعب الرب أن يستخدموها. باستخدام هذه المبادئ التوجيهية يمكننا أن نطيع ما جاء في رسالة يوحنا الأولى 4: 1 “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟”.
ما هي هذه المبادئ التوجيهية؟ كيف يمكننا اختبار معجزات الشفاء الجسدي التي تتخصص فيها كل شيعة كبيرة بما في ذلك كنيسة روما الكاثوليكية؟ كيف يمكننا أن نحدد ما إذا كانت حالات الشفاء المزعومة هذه على نفس مستوى معجزات الشفاء التي نجدها في العهد الجديد ولها نفس أصالتها أم لا؟ إليك ثلاثة مبادئ توجيهية من الكتاب المقدس. فمن خلال هذه “المعايير”، يجب أن نحكم على جميع المزاعم المتعلِّقة بالآيات في هذه الأيام:
(1) كانت معجزات الشفاء التي صنعها الرب يسوع المسيح وفيرة للغاية في العدد.
(2) شملت خدمة ربنا يسوع المسيح المختصّة بالشفاء حالات شفاء مذهلة. كانت تنطوي على استرداد عضوي وجسدي بطريقة دراميَّة، ممّا كان واضحًا ومرئيًّا للغاية أمام الجميع.
الآن بالطبع، لدينا العديد من المزاعم اليوم بأن الناس قد شُفِيوا من آلام وأوجاع داخلية، ولكن من الصعب للغاية في معظم الحالات أن يكون الشخص العادي على يقين ما إذا كان الشفاء قد حدث بالفعل أم لا. لكنَّ ربَّنا كان متخصِّصًا في هذا النوع من معجزات الشفاء التي كانت واضحة ومُذْهِلَة. على سبيل المثال، في بستان جَثْسَيْمَانِي كان الإسهام الوحيد للرسول بطرس في أزمة مجيء ساعة تسليم يسوع هو إزالة إحدى أذنيّ خادم رئيس الكهنة. التقط الرب يسوع الأذن المقطوعة، ووضعها في مكانها، وشفي الجرح بالكامل. هل يستطيع صنّاع المعجزات اليوم تحقيق نفس نوع الشفاء الذي قام به يسوع؟ كلاَّ بالطبع.
كان يسوع قادرًا على شفاء رجل وُلِدَ أعمى، وقال الرجل: “مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى”. ماذا سيحدث لو أخذ أحدهم جسدَ أحدِ أحبائه الذي توفي مؤخَّرًا إلى أحد الشافِين الكاريزماتيِّين وطلب من ذلك الشخص أن يفعل ما فعله يسوع مع لعازر؟ يسَعْنَا أن نكون على يقين من أنَّ أحدًا من هؤلاء الشافين لن ينظر إلى مثل هذه الحالة ويعرِّض سمعته للخطر بمحاولة القيام بما يعرف أنَّه مستحيلٌ تمامًا. والعُذْر الذي يقدِّمه “الشافون” اليوم لفشلهم في تحقيق حالات الشفاء المقتدرة هو أن الناس ليس لديهم إيمان، ولكن في العهد الجديد لم يكن للإيمان علاقة بالضرورة بحالات الشفاء المذهلة هذه. تسعة من بين عشرة من البُرْص اليائسين، الذين شفاهم يسوع، لم يكن لديهم إيمان كما هو ظاهر. بل كان واحد منهم فقط هو المؤمن الذي عاد ليشكر ربَّه. ويبدو من الواضح نوعًا ما أن لعازر لم يكن بحاجة إلى ممارسة الإيمان حتَّى يُقام من بين الأموات. لذلك قد نكون على يقين من أن الشكوى بشأن ضعف الإيمان لدى “العميل” هي ببساطةٍ عذرٌ حديث، أو غطاء لحقيقة أن هذه الآيات الواردة في الكتاب المقدس لا تتكرر اليوم.
(3) أهم المبادئ التوجيهية هو: عندما أجرى ابن الله حالات شفاءٍ معجزيَّة، لتأكيد أصالة ادعائه بأنه المسيَّا المنتظَر في إسرائيل، قام بذلك بطريقة لا يستطيع أحد أن ينكر فيها أنَّ معجزة من الله قد حدثت. لقد كانت معجزاته غير قابلة للإنكار. جاء إليه نيقوديموس ذات ليلة وصاغ الأمر على هذا النحو: “«نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». (يوحنا 3: 2).
بعض أعداء الرب الذين أدركوا أن المعجزات كانت حقيقية وأن الناس شُفِيوا بالفعل وأُقيموا من الأموات، كانوا مُجبَرين على الزَّعم بأنَّ الشيطان هو الذي فعل كل هذه الأشياء. لكنَّ جميعهم اضطروا للاتفاق على حدوث معجزات مقتدرة، ومذهلة ولا يمكن إنكارها. وكان الجدل الوحيد المتبقي هو: أيَّة قوة فوقطبيعية كانت هي السبب، الله أم الشيطان؟
نقرأ في يوحنا 11: 47 أن رؤساء الكهنة والفريسيين جمعوا مجمعًا واعترفوا بأنهم لا يعرفون كيف يقاومون المسيح، لأنه بالتأكيد قام بالعديد من المعجزات. وقد تردد ذلك في سفْر أعمال الرسل 4: 16 عندما نظر مجمع يهودي آخر في شأن المعجزة التي أجراها بطرس ويوحنا في شفاء أعرج في الهيكل. وقال القادة اليهود فيما بينهم: «مَاذَا نَفْعَلُ بِهذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ لأَنَّهُ ظَاهِرٌ لِجَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ أَنَّ آيَةً مَعْلُومَةً قَدْ جَرَتْ بِأَيْدِيهِمَا، وَلاَ نَقْدِرُ أَنْ نُنْكِرَ». كلَّما أشرك اللهُ نفسَه في إجراء آيةٍ، فإنها دائمًا ما تكون غير قابلة للإنكار تمامًا. على جبل الكرمل، أجرى إيليَّا معجزةً باسم إله إسرائيل الحقيقي، وقد كانت غير قابلة للإنكار كليًّا. بعد نزول النار من السماء، لم يتساءل أحد قائلاً: “هل حدث ذلك بالفعل؟” وبالمثل، في مصر، أجْبَرَت الضرباتُ العظيمةُ، التي أدت إلى الخروج، الْعَرَّافينَ على الاعتراف: «هذَا إِصْبَعُ اللهِ».
على أساس هذه الاعتبارات، أضع أمام القرَّاء قَصَبَةَ قِيَاسٍ معصومةً يمكن من خلالها تحديد ما إذا كانت الآيات تحدث اليوم فعلاً أم لا. إذا استطاع أحد أن يشاهد هذه المعجزات ويظل متشكِّكًا، إذًا فهي ليست مثل معجزات الكتاب المقدس، ولا يمكن أن يكون “صانع المعجزة” من الله. هذا الاختبار منفردًا كفيلٌ بتدمير جميع مزاعم الصلاحية لدى صانعي المعجزات في أيامنا الحالية. لا يمكن أن يكون الله هو منشئ الآيات التي يمكن إنكارها. إن مقارنة أعمال الرب يسوع وتلاميذه المعيَّنين بالأعمال التي يؤديها صانعو المعجزات الكاريزماتيُّون اليوم سوف تكشف عن فرقٍ مُذهِل. إنَّنا ننظر إلى مستويين مختلفين تمامًا من الحقيقة الواقعة.