1. الحفاظ على الأولويّات الرّوحيّة
كيف نتجنّب الشّهوة؟ يمكن أخذ درس عظيم من سلوك بني إسرائيل في البرّيّة، الّذين قال عنهم الرّسول بولس: “هَذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولَئِكَ.” (1 كورنثوس 10 :6). إنّه يشير إلى حدثٍ مسجّل في عدد 11: 4، عندما وجد بنو إسرائيل أنّ المنّ الّذي من الله كريهًا وتحدّثوا عنه بازدراء. بدأت قلوبهم تشتهي أشياء تبدو ظاهريًّا بريئة كالسّمك والخيار والبطيخ والكراث والبصل والثوم. لم يغضب منهم الله لأنّهم طلبوا تلك الأطعمة لأنّها لم تكن نجسة، بل غضِبَ لأنهم رغبوا بها لدرجة أنهم تمنّوا لو يعودوا إلى مصر. والأسوأ من ذلك، أنّهم أرادوها أكثر من المنّ الّذي من الله. فبدلاً من أن يشعروا بالامتنان، ويقولوا: “واضح أنّ الله معنا، ويأتي بنا إلى أرض أفضل”، غمرهم الاستياء واشتاقوا إلى الامتيازات المادّيّة.
كلّ ما يشتهيه المؤمن ويتمنّاه أكثر من بركة الله الرّوحية هو شرّ. فأسرع طريق إلى الشّهوة هو فقدان حسّ التّقدير لما يَهَبُهُ الله. في اللّحظة الّتي نبدأ فيها باعتبار بركاتنا تحصيلاً حاصل، نبدأ نحتاج إلى “بطيخ” و”خيار” هذا العالم الفاني. وبالتّالي الضمان الأوّل للحماية من فيروس الشّهوة هو أن تكون لنا روح شكر حقيقيّة، وأن نمتلئ بالعرفان بالجميل الحقيقي والامتنان لله. نحتاج إلى أن نتذكّر باستمرار مراحم الرّب وخيره علينا، وأن نعني من كل قلوبنا ترانيم التّسبيح الّتي نرنّمها، ونعترف بأنّنا لا نستحقّ مراحمه. نحتاج إلى أن نفرح بكلّ الامتيازات العظيمة الّتي لنا في الحياة المسيحيّة ونقدّرها، ونأخذ خطوات معيّنة لتذكّرها في وقت التّجارب وخيبات الأمل أو الاكتئاب.
2.السّلوك بالروح
هناك علاج آخر للشّهوة مقدّمٌ لنا في غلاطية 5: 16 – “وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ.” عندما يسلك المؤمن بالرّوح، يتلقّى كلّ ما يلزم من مساعدة لوضع حدّ لرغبات القلب في الجري وراء الأمور الدّنيويّة والأنانية. فهو يصلّي طلبًا للمساعدة بشكل منتظم، متجاوبًا مع عمل الرّوح القدس في الضّمير. يقوم الرّوح القدس بوخز ضمير المؤمن عند شعوره برغبة قويّة بالتّقدم في العالم، أو بالحصول على بعض الامتيازات الدّنيويّة، فيستجيب المؤمن بسرعة. إذا تراجع المؤمن عن شراء شيء باهظ الثّمن أو عن سعيٍ طموح، يسجّل انتصارًا، ولكنّ إذا تمّ تجاهل خدمة الرّوح المنعمة، فسيقع في خطيّة الشّهوة.
يستلزم السّلوك بالرّوح وضع الخدمة الروحيّة أوّلاً في الحياة. إذا لم يكن للمؤمن سبيلٌ لخدمة الرّب، أو للتّضحية، أو للالتزام، فمن السّهل جدًّا للطّاقة العاطفيّة الّتي له أن تتُرجَم في احتياجات وتطلّعات شخصيّة. يصبح مثل هذا المؤمن فريسةً سهلةً للرّغبة الجيّاشة. أولئك الذين كرّسوا حياتهم تمامًا لبيتهم أو مهنتهم يواجهون صعوبة في محاربة شهوات الجسد، لأنّهم لا يسلكون حقًّا بالرّوح. إنّهم يهتمّون بعمل الرّب وملكوته أقلّ جدًّا ممّا يهتمّون بشؤونهم الخاصة، وبالتّالي فإنهم سيكونون دائمًا تحت رحمة قلوبهم السّاقطة.
3.قتل الرّغبات الشّهوانيّة
أعظم سلاح ضد الشّهوة، مذكور في العديد من النصوص، هو مقاومتها بنشاط. لا يمكن التغاضي عن الإماتة، أو قتل الشهوة. في اللحظة الّتي نتوقف فيها عن القتال ضد العديد من الإغراءات الخفيّة لنشتهي هذا أو ذاك، ننزلق بعيدًا عن الطريق الصحيح. في غلاطية 5: 24 يعرّف الرسول بولس المؤمنين بأنّهم أولئك الّذين– “صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ”. مرّةً أخرى، تشير كلمة “الشَّهَوَات” إلى الأشواق، والرّغبات، والتعلّق بالأشياء الدّنيويّة، وكذلك بالأفكار غير الأخلاقية.
تطالب أفسس 4 :22 المؤمنين أن “يَخْلَعُوا… الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُور”. إنّ الطّبيعة القديمة الّتي فينا ترغب بإعادة السيطرة علينا، ووضعنا تحت سلطان الشهيّة للأشياء الدّنيويّة، إنّما يجدر بنا مقاومة هذه المخطّطات، وعدم إفساح المجال لها أبدًا. إنّ طبيعتنا القديمة ماكرة جدًّا، وتعمل بمساعدة وتحريض من الشّيطان، وسوف تستمرّ الحملة بلا هوادة لإعادة إضرام حبّنا للأشياء الباطلة في هذا العالم. سيتخلّل ذلك أوقات هدنة، حيث سننعم بالرّضا الكبير على ما قَسَمَ الله لنا في الحياة ونقدّر بركاتنا وامتيازاتنا الروحيّة، ثمّ يلي ذلك فجأةً هجوم كبير من تجارب الحسد، والشّفقة على النفس والرّغبة. علينا أن ندرك ضعفنا، ونكون على استعداد دائم لحفظ أنفسنا من أن تأخذنا الرّغبة بمشتريات غير ضروريّة، أو ممتلكات زائدة، أو طلب جودة إضافيّة لا لزوم لها أو أن يغرينا رخص الأسعار.
عندما يقول الرّسول بولس إلى تيموثاوس: ” أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا” (2 تيموثاوس 2: 22)، يفترض الجميع أنّه يشير على الأرجح إلى الإغراءات الجنسيّة. ولكنّ الكلمة اليونانيّة للشّهوات تعني أيضًا الأشواق والرّغبات النّابعة من كلّ شهيّة بشريّة، والّتي تنطبق أيضًا على الشّهوة. إن الشّهوات التي كانت في فكر بولس قويّة تحديدًا عند الشّباب، وقد تتضمّن الرّغبات الجنسيّة الخاطئة، ولكن “الشّهوات الشبابيّة” تضمّ أيضًا الطّموح والممتلكات. يصبح الطّموح شهوةً عندما نتوق للحصول على شيءٍ ما لأنفسنا، لشبعنا وفائدتنا الشّخصيّة.
في الواقع يقول الرّسول بولس: “عندما تبدأ أحلام اليقظة، وترى نفسك وسط مسرح محاطًا بالمعجبين بك وبالمأخوذين بمواهبك الخاصة، اهرب من تلك الأفكار. حوِّلْ ذهنك للتفكير بشيء آخر. اهربْ كما لو كنتَ تهرب من كارثة وشيكة “.
4. السّيطرة على الفكر
كي نتمكّن من مقاومة الشهوة نحن بحاجة إلى عملِ شيءٍ للسّيطرة على فكرنا. إذ لا يُفترض بنا أن نطلق العنان لأحلامنا ورغباتنا ونتركها بلا وازعٍ أو رادع. إنّ الكتاب المقدس يوصينا قائلاً: “لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ (أشواقه ورغباته)” (رومية 6: 12). لذلك، عندما تراودنا أفكار التّرويج للنفس، يجب ألّا نتخلى عن دفاعاتنا ونسمح لها أن تنمو وتسيطر علينا. وصيّة الله لنا هي – كفّ عن التّخطيط! كفّ عن الأحلام! وجّه خيالك لأشياء أفضل. ميّز حيل الشّيطان في هذه الأفكار. إذا اجتاحتك الإغراءات بقوّة وألحّت عليك أن تكون، أو تشتري، أو تمتلك، ليكن هناك نشاط قريب أو كتاب يستحوذ على انتباهك، حتى تستطيع بسهولة الانتصار في المعركة والتخلّص من كلّ إلحاح غير مرغوب فيه.
إنّ الطّريقة الكتابيّة للتّعامل مع الشّهوة هو بشنّ معركة كبيرة ضدّها. علينا أن نرفض تمامًا الاستسلام لرغباتنا بأشياء لا نحتاجها حقًّا، أو تتجاوز السعر المناسب والجودة المعقولة. بالطّبع، يجب أن نصلّي دائمًا طلبًا للمساعدة، وسوف نأخذها. وعلينا أن نتجنّب باستمرار الأشياء الّتي تثير أفكار الشّهوة – مثل التأمل بالمنازل الفخمة الّتي تخصّ بعض “المؤمنين” العالميّين، أو الكتالوجات المليئة بالأدوات المرغوب بها.
في سياق الحديث عن الوصايا (بما في ذلك “لا تَشْتَهِ”) يقول الرسول بولس في رومية 13: 14: “بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا (حرفيًّا: فكر مسبق) لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ”. نستطيع إعادة صياغة هذه الآية بهذا الشكل:” لا تفكّروا مسبقًا، أو تضعوا مخطّطات حول أمور لا ترضي سوى شغفكم ورغباتكم، وتُشْبِعُ تلك الشهوات”. حقًّا، إنّ عالم أحلام اليقظة هو مهد خطايا الشّهوة.
مكافآت التعقّل
من النّاحية الإيجابيّة، في مقاومة الشّهوة مكافآت كبيرة للمؤمنين، حتى في هذه الحياة الأرضيّة. في الواقع، كل وعود الله لسعادتنا الرّوحية الحاليّة تعتمد على موقفنا الواضح من الشّهوة، كما نتعلّم في 2 بطرس 1: 4: “اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.. “
هل نهرب من هذا الفساد؟ هل نرضي الله؟ هل نستطيع أن نستقبل ثمر وعوده العظيمة والثّمينة في جعلنا نعرفه، وفتح عيون أذهاننا، ومَنْحِنا حسًّا كبيرًا بالانتماء، وخَصِّنا بالنّمو في النّعمة واستخدامنا في اجتذاب شعبه المختار إليه؟
دعونا لا نعير اهتمامًا للمؤمنين المسيحيّين الّذين يقيمون عهدًا مع هذا العالم، وينغمسون في الرّغبات ويحصلون على كلّ ما يريدون. إنّ المؤمنين الطّموحين الباحثين عن تحقيق ذاتهم، سواء في المهن العلمانيّة أو في الخدمة، يجب أن نراهم في حالة مأساويّة، وليس كقدوة للمؤمنين الآخرين. لنتذكّر كلمات المسيح – “إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!” (متى 6 :2، 5، 16). يا للبركات الّتي ستكون لنا، إن قُمْنا فقط بمعركة كبيرة ضدّ شهوة الجسد، وطلبنا إلى الرّوح القدس أن يمدّنا بالعون.