تيخيكس رفيق بولس

في نهاية رسالة بولس إلى أهل كولوسي، الّتي كتبها خلال فترة سجنه الأول في روما، ذَكَرَ أسماء سبعة رجال ساعدوه في ذلك الوقت. عبّرت حياةُ هؤلاء الرّجال عن معنى الحياة الرّوحية، وما يزال هذا المعنى يتحدّانا ويشجّعنا إلى اليوم. لم يكونوا الزّملاء الخدّام الوحيدين لبولس، إذ أنّ هناك رعاة مهمّين كتيموثاوس وتيطس لم يأتِ على ذكرهم، ولكن لدى هؤلاء “الرومانيّين السّبعة” الكثير ليعلّمونا إيّاه. أحدهم كان يُدعى تيخيكس.

الخادم

ما التّعبير المميّز الّذي يمكن أن نعطيه لهذا المولود في أفسس، لقد رافَقَ الرّسول في سفره لفترة طويلة، وشارك في الوعظ، وفي التبشير وفي واجبات كثيرة أخرى إلى جانب ما سبق؟ التَّعبير الأنسب له، هو بالتّأكيد- الخادم. كان تيخيكس يرافق الرّسول بولس كممثِّل لكنائس الأمم إذ نَقَلَ تقدمة إعانةٍ كبيرةٍ إلى أورشليم، وقد رافَقَ الرَّسول على الأقلّ بقدر ما رافقه ميليتس. وكان السَّاعي الَّذي حَمَلَ الرِّسالة إلى أفسس، ومن الممكن أن يكون قد حَمَلَ الرِّسالة الثَّانية إلى أهل كورنثوس (برفقة تيطس). أرسله الرَّسول بولس إلى جزيرة كريت لِيخدمَ إلى جانب تيطس، وأيضًا أرسلَهُ إلى أفسس، وربما لِيَخْلِفَ تيموثاوس. كان تيخيكس عضوًا في فرقة المبشّرين الأوائل الذين جازفوا بحياتهم مع بولس في رحلته التّبشيريّة الثّالثة، والآن أرسله بولس إلى كولوسي حاملاً تعليمات الرَّسول الأسير.

لنتأمَّل الطَّريقة الَّتي يصف بها الرَّسول بولس تيخيكس. إنّه (في الآية 7) ‘الأَخُ الْحَبِيبُ”، أو أحد الأشخاص العزيزين جدًّا على قلب بولس. سبب عاطفة بولس القويّة من نحوه هو شخصيّته وأسلوب حياته وحبّه للمسيح. أظهر أيضًا اهتمامًا كبيرًا بعمل بولس وبصحّته، وكان حسّاسًا لاحتياجاته ويلبّيها على قدر استطاعته. أن تكون “أخًا حبيبًا” كما وصفه الرّسول بولس يعني أنّك شخص غير أناني ولطيف في صداقتك، ويبدو من سجلِّ الرّسول أنَّ كلّ التَّضحيات كانتْ تهون في عينيْ تيخيكس. كانت روح الخادم هي الصّفة الأبرز في حياته.

يتابع الرّسول فيسمّيه: “الْخَادِمُ الأَمِينُ”، لأنه كان يهتمّ بالنّاس. كان بالتّأكيد واعظًا، ولكنّه كان أيضًا مشجّعًا شخصيًّا، يقدّم خدمة كبيرة من التّعزية والنّصح. كان يضع المؤمنين على قلبه. أن تكون “أمينًا” يعني أيضًا أن تكون خاضعًا للكلمة، إنه الرّجل المناسب لإرساله إلى كولوسي في وقت كان فيه المهرطقون على الأبواب. علمّ الحقّ بدقّة ووضوح، التزامًا منه بالمأموريّة العظمى.

العبد

ثم، إذ اعتبر بولس أنّ تعابير المدح تلك لا تكفي، قال عن تيخيكس أيضًا إنّه “الْعَبْدُ مَعَنَا فِي الرَّبِّ”، وهو مصطلح غنيّ بالمعاني. إنّه يصفه أوّلاً بكونه زميلاً، وعضوًا في الفريق. رغم كلّ نقاط قوّته وقدراته، لم يكن تيخيكس كفرد يجري وراء سُمْعَتِهِ الخاصّة ومجده. كان سعيدًا بمساعدة الرّسول وبالعمل بشكل خفي مع الآخرين. قدَّم نفسه للخدمة كخادم مجتهد وعبد. كان العبد في القديم مِلْكَ سيّده، يسهر على راحته ويلبّي طلباته كلّ ساعة من ساعات النهار. هكذا كانت روح تيخيكس كخادم للمسيح. كان يفعل كلّ ما هو مطلوب منه. لا يتحدَّث الرَّسول بولس عنه كخادم شخصي، إنما “كخادم زميل مَعَنَا فِي الرَّبِّ“. كان مستعدًّا أن يفعل أيّ شيء في سبيل الخدمة.

يقول الرَّسول بولس، تيخيكس سيزور كولوسي “لِيَعْرِفَ أَحْوَالَكُمْ”، أو ظُروفكم، “وَيُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ” أي يشجِّعكم. وسوف يتعرّف على تجاربكم، ويشارككم الفرص، ويقوم بكل ما في وسعه للمساعدة. سوف يعظ بالتأكيد عن المسيح، ويمجّده، ويعلّم عن أشياء رائعة، ويشجِّعكم في الإرساليّة. حتمًا سيتحدّث عن المجد الأبدي. إذا كانت ظروفكم صعبة، سيرفع عيونكم إلى المنزل المستقبلي الأبدي العظيم. لم يكن هناك شخص أفضل من تيخيكس لهذه المهمَّة، وَضَعَ نفسه بكلِّ صدق تحت تصرف الرّب، وعاش أمينًا للكلمة، وأمينًا للمؤمنين.

النموذج

صفات تيخيكس المميّزة يجب أن تتوفّر في كلٍّ منَّا، فهذا هو الغرض من عمل الله في قلوبنا. هل نحن خدّام، تحت تصرّف المسيح بالكامل؟ أم نجري خلف المصالح الأرضيّة؟ كان تيخيكس، أحد الرِّفاق المقرّبين لبولس، إنه نموذج عن الحب غير الأناني للمسيح الذي ينبغي أن يكون الهدف الأوّل لكلّ حياتنا. لا بدّ من القول إن بولس جمع لِنَفْسِهِ زملاء مقرّبين عاملين معه، ممَّن يبدون على شبهه، وتأثّروا بحياته. إذا كان الخدّام بيننا كبولس، لا بدّ إذًا أن يجمعوا بطبيعة الحال خدّام زملاء أمثالهم في كنائسنا.